د. محمد سلامة الرصاعي - جامعة الحسين بن طلال
تحرص معظم الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على إدخال الحاسوب والتكنولوجيا ودمجها في التعليم كضرورة حتمية لتطوير هذه المؤسسات والرقي بها، على اعتبار أن للتكنولوجيا دورا كبيرا في تطوير طرق التدريس وعمليات التعلم وإكساب المتعلمين مهارات متعددة، إلا أن القرارات الإدارية بخصوص استخدام التكنولوجيا لم يرافقها في غالب الأحيان وضع تصورات حول الكيفية التي سيتم بها توظيف هذه التكنولوجيا أو حتى دراسة الفائدة الفعلية لهذا الاستخدام، مما يكلف التعليم الجامعي مبالغ ضخمة على التجهيزات والتقنيات التعليمية والحواسيب وكأنها ذات فعل ساحر على عملية التعليم .
لذلك يقول بيتس A.W.Bates إن السؤال المطروح هو ليس '' هل ينبغي استخدم التكنولوجيا ؟ '' إذ أن الأسئلة التي تهمنا هي '' في أي سياق ولأية أغراض تكون التكنولوجيا مناسبة للتعلم والتعليم ؟ ماذا نحتاج للتأكد من أننا نستخدم التكنولوجيا لأغراض التعلم والتعليم استخداماً فعالاً ومجدياً؟ ''
إن عملية التعليم باستخدام التكنولوجيا والوسائط المتعددة في المرحلة الجامعية لم تتجاوز في كثير من الأحيان عمليات العرض المباشر التي تخاطب حواس المتعلم دون الرقي به إلى عمليات تفكير متقدمة تؤكد على شراكة وانسجام العقل والحواس، وهذا الاستخدام للتكنولوجيا بصورها المتعددة في عملية التعليم كأدوات تكنولوجية فقط يجعلها تخاطب الحواس وتغفل عمل العقل، في حين أن توظيف هذه التكنولوجيا كأدوات تكنولوجية معرفية تعمل على تنمية وتطوير القدرات العقلية للمتعلم من خلال عدم اقتصار دوره على عملية الملاحظة فقط بل امتداده نحو عمليات التنبؤ والاستكشاف والتقصي والاستدلال والتفسير وغيرها من العمليات العقلية العليا مما يحقق الفهم الذي يعد الهدف الإستراتيجي لعمليات التعليم والتعلم.
وينتج الفهم من خلال عمل مشترك بين حواس المتعلم وعقله، فدور الحواس استقبال المعرفة من البيئة والوسيط التعليمي بينما يقوم العقل بإجراء المعالجات والعمليات الإدراكية المختلفة من خلال التفكير، وإذا ما اقتصرت عملية اكتساب المعرفة على عمل الحواس فقط سرعان ما تلاشت هذه المعرفة ولم ينتقل أثرها إلى حياة المتعلم ، كما أن العقل لا يمكنه إجراء العمليات الإدراكية دون دور للمعرفة المكتسبة من قبل الحواس، حتى أن عمليات التفكير المجرد قد استندت في الأساس إلى مراحل التعلم الحسية السابقة كما يشير عالم النفس المعرفي بياجيه.
يتيح النموذج المعرفي في التعلم التحول من استخدام تقنيات الوسائط والحاسوب كأدوات تكنولوجية إلى أدوات تكنولوجية معرفية في التعليم الجامعي من خلال قيام المتعلم بتنفيذ مهام ومشاريع بحثية يسير خلالها في مساقات استكشافية ومن خلال شراكة ايجابية بين المحتوى المعرفي والتكنولوجيا المستخدمة والإستراتيجية التعليمية مما يعمل على توظيف التكنولوجيا بشتى أنواعها ( الحاسوب، الفيديو ، المجهر ، شاشات العرض ، أجهزة القياس ، ..... ) المستخدمة في التعليم العالي كأدوات معرفية تمكن المتعلم من تكوين أبنيته المعرفية بمسؤولية ذاتية وتوفير طاقاته التي تذهب في معظمها لتخزين الكم الهائل من المعرفة التي يتعرض لها أثناء عمليات التعلم، بحيث يوظف هذه الطاقة في عمليات متقدمة كالتفكير الناقد وإعادة تنظيم معرفته السابقة .