دائماً لديك الوقت لشرب فنجان من القهوة!
دخل الدكتور إلى قاعة المحاضرة وسط نظرات الطلاب الحائرة والساخرة من البرطمان الزجاجي الذي يحمله معه.
جلس الدكتور وأخرج من حقيبته كيساً من الرمل، وآخر من الحجارة الصغيرة، وأخرى أكبر حجماً، وزجاجة من الماء، وما هي إلا لحظات حتى دخل العامل بكوب القهوة الخاص بالدكتور.
نظر الدكتور للطلبة الجالسين أمامه ينتظرون إجابة تساؤلاتهم الصامتة؛ فقال لهم: سنأخذ عشر دقائق فقط من محاضرة اليوم حول مفهوم جديد للحياة.
وضع الدكتور الحجارة الكبيرة في البرطمان حتى كاد يمتلئ، ثم سأل الطلبة: هل تظنون أنه قد امتلأ؟ فأجاب معظمهم بنعم.. فوضع الحجارة الصغيرة فتخللت الفراغات بين الحجارة الكبيرة، ثم أعاد سؤاله: هل تظنون أنه قد امتلأ؟ فأجاب الطلبة بنعم.. أفرغ الدكتور كيس الرمل على الحجارة في البرطمان، فتخللت الرمال الفراغ بين الحجارة الكبيرة والصغيرة حتى ملأته تماماً، فأعاد سؤاله: هل تظنون أنه قد امتلأ؟ فأجاب الطلبة كلهم دون تردد بأنه قد امتلأ.. فسكب الدكتور زجاجة المياه فوق المجموع السابق فتخللت المياه الفراغ الكائن بين الرمال، ثم أعاد السؤال: هل تظنون أنه قد امتلأ؟
هنا صمت الطلبة وقد شكّوا في تصوراتهم.. وهنا سكب الدكتور فنجان القهوة فوق ما سبق..
صمت الدكتور قليلاً ينظر إلى الجالسين، ثم قال: هكذا هي مساحة الوقت في حياتنا؛ كلما تصورنا أنه قد امتلأ، وجدنا أنه يستوعب المزيد؛ لكن المهم هو ترتيب الأولويات.
عاد الدكتور إلى الطلبة بعد فترة من الصمت ليوضح لهم أن الحجارة الكبيرة تمثل حياتنا الأسرية وأعمالنا.. وأن الحجارة الصغيرة تمثل الأعمال التالية في بناء مستقبلنا كدراسة، أو دورات تدريبية، أو بطولة نسعى إليها.. وأن الرمال تمثل العائلة والصداقة والعلاقات الاجتماعية.. وأن المياه تمثل الأعمال المكملة التي نعطيها درجات متأخرة في حياتنا؛ مثل الرياضة اليومية أو القراءة عامة، ومطالعة الصحف اليومية أو مشاهدة الأخبار.
ثم توقّف الدكتور عن الحديث؛ فسأله الطلبة -وقد استثار فكرهم بهذا المثال- وماذا عن فنجان القهوة؟
فأجاب: ومهما تصورت أنك مكبل بقيود الوقت والعمل والالتزامات الأسرية والاجتماعية من حولك؛ ستدرك أنه لا يزال بإمكانك أخذ عشر دقائق تجلس فيها وحدك وتتناول فنجاناً من القهوة!!
كلنا -دون استثناء- نتصور أن وقتنا مشحون بكمية المشاغل التي تقتل في أنفسنا كل فرصة للترويح أو حتى للاهتمام بحياتنا الخاصة الأسرية منها والشخصية.. والعجيب أن هذا الإحساس لا يختلف عليه شخصان مهما بلغ الاختلاف بينهما!
إنه إذن شعور طبيعي لكل فرد يشعر أنه قد ملأ كل وقته، دون أن يبصر الفراغات الصغيرة فيه، أو أن يسيء ترتيب وقته.. نعم المهم هو ترتيب الأولويات؛ فحياتنا يمكن أن تسع كل ما نطمح له أو نرغب في عمله؛ مهما تصوّرنا أن وقتنا مضغوط تماماً، وأنه لن يتسع لشيء فوق ما نحن محمّلون به.
فإذا فرضنا أن هذا الدكتور قد وضع الماء أولاً ثم الرمال؛ فهل سيكون ثمة مكان للحجارة الكبيرة؟ بالطبع لا.. فهذا هو فن توزيع الوقت والاستفادة منه؛ أن نقدّم الأولويات حتى ننتفع بها كلها، دون أن نضغط على أعصابنا ومادياتنا، ثم نضيف الأقل فالأقل تباعاً.
هناك أوقات فراغ كثيرة نُضيعها في الانتظار، أو في أوقات يمكن أن نفعل فيها أكثر من شيء؛ لكننا لا نلتفت لها؛ منها أوقات المواصلات مثلاً.. وأعرف أشخاصاً كان عامل نجاحهم هو طول الفترة التي يقضونها في المواصلات؛ فمثلاً هناك زميل ناقش رسالتي الماجستير والدكتوراه في زمن قياسي؛ لأنه كان يستقل مترو الأنفاق من بداية خط حلوان حتى جامعة القاهرة؛ فكان على الأقل يستنفد ثلاث ساعات ذهاباً وإياباً في انتظار الوصول؛ فقرر استغلال هذه الساعات في قراءة المراجع التي لا يُسعفه ضغط الوقت بسبب عمله في قراءتها.
وهناك آخر قرر أن يُجري مكالماته كلها في المواصلات؛ كي لا يستهلك وقت العمل أو فترة الراحة بعد العودة للبيت في هذه المكالمات.
وآخر كان من عادته أن يجلس نصف ساعة على سريره في تكاسل قبل أن يهبّ سريعاً لارتداء ملابسه حتى لا يتأخر عن عمله؛ فقرر أن تُعِدّ زوجته الفطور ويتناولاه معاً قبل ذهابهما للعمل؛ بدلاً من هذا الزمن المفقود.
شخص آخر كانت والدته بالقرب من مقرّ عمله، وكان ينتظر وسيلة المواصلات في كل يوم مدة ربع ساعة؛ فقرر أن يمرّ على والدته كل يوم عشر دقائق؛ فيطلب رضاها، ويطمئن عليها، وتشعر هي بالسعادة لاهتمامه بها وحرصه على رؤيتها يومياً.
وهناك آخر استطاع حفظ القرآن الكريم؛ لأنه كان يحرص على سماع ورد يومي -ربما ثلاث آيات- أثناء قيادته للسيارة، وترديدها طوال هذه الفترة.
وآخر قرر أن يشاهد مسلسله المفضّل أثناء تناوله وجبة الغداء -بغضّ النظر عن التأثيرات السلبية لمشاهدة التليفزيون أثناء الطعام- حتى لا يزيد من فَقْد الوقت.
وهكذا يا صديقي، ستجد أنه دائماً لديك الوقت الكافي لتفعل ما تريد؛ حتى ولو كان الجلوس مع نفسك لشرب فنجان من القهوة.